قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد
من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به. فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه. فالأعمال والدرجات بنيان وأساسها الإيمان, ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه. وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه, وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت, وإذا تهدم شيء من
الأساس سقط البنيان أو كاد. فالعارف همّته تصحيح الأساس وإحكامه, والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط. قال تعالى:{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}
فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان, فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا من الآفات, وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء, فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان, فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس.وهذا الأساس أمران: صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته. والثاني: تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه, فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه, وبحسبه يعتلي البناء ما شاء. فاحكم الأساس, واحفظ القوة, ودم على الحمية, واستفرغ إذا زاد بك الخلط, والقصد القصد وقد بلغت المراد, وإلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة والاستفراغ معدوما:
فاقر السلام على الحياة فإنها قد آذنتك بسرعة التوديع